الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام **
وفي البداية أقول: يمكن قبول مثل هذا القول، وكذا سائر الروايات الإنجيلية في هذا الصدد، علــى أن الذي قبض عليه هو المسيح والذي صلب هو المسيح، باعتبار أن الله تعالى ألقي شبه المسيح على غيره، الذي هو "يهوذا الأسخريوطى الخائن"- كما صرح به إنجيل برنابا- فهم إذ قبضوا على الشبيه ظنوه المسيح، فالروايات باعتبار اعتقادهم أنه المسيح ولذلك ساروا على هذا المنوال فيما أوردوه مما وقع بعد ذلك من حوارات كلها تؤكد أن الذي يحدثهم ليس هو المسيح، ولكنه الشبيه، كما سنذكره بعد- إن شاء الله. فعلى أية حال" نحن نورد الكلام، حسب معتقد القوم فنقول: "مما توضحه الأناجيل عن نوع العلاقة التي كانت بين مجموعات الوشاة والخدم والعبيد الذين يعملون في خدمة سلطات الوالي الروماني في عصر السيد المسيح، فإن من بين أولئك الذين كانوا فى نفس الوقت الذي يعملون فيه خدما ووشاة وعبيدا للرومان كان الكثير منهم القائم بأمر الأخلاق والدين بين جماهير الشعب اليهودي له سطوة وسيطرة وسيادة ، ولما كان هؤلاء الوشاة أصحاب السيادة والسيطرة والامتياز على جمهور الشعب اليهودي فقد قويت العلاقة فيما بينهم جميعا متكاتفين متعاونين من أجل السيطرة على كل حال الشعب اليهودي ودوام استمرارها، ومن أجل التخلص من خطر الدعوة الجديدة التي لم تتعرض للدولة الرومانية بهدم أوبناء، ولكنها كانت تبنى مجتمعا جديدا على أساس من علاقات الأمن والحب والدعوة إلى شريعة الضمير. وكان هذا المنهج الأخلاقي العف المسالم يشكل الخطر المحقق على دولة الرياء والنفاق المسيطرة على جماعات اليهود المرائين المنافقين الذين يحبون المتكئات الأولى والمجالس الأولى والمحـافل الأولــى. وكانت هذه العلاقة، قبيل القبض على السيد المسيح قد بلغت ذروة التلاقي والتعاون إلى الحال الذي أصبح أنه لم يكن يرفض من طلب أو رجاء للجماعات اليهودية التي تعمل في خدمة الوجود الروماني والممثلة للسيادة والاستغلال والسيطرة على جماهير الشعب اليهودي، ويعبر عن نوع هذه العلاقة مثلا "الحوار" الذي تم بين الوالي الروماني"بيلاطس" وبين القوة الثائرة الساخطة حين كانت العادة أن يطلق لهم الوالي بمناسبة عيدهم كل عام مذنبا أو مخطئا، ولما كان السيد المسيح قد قبض عليه استجابة لإلحاح وثورة القوة الممثلة للسيطرة اليهودية، ولما كان هذا القبض قد تم بمساعدة جند الرومان وسيادة الدولة، فقد كان الوالى يعلم تماما أن عملية القبض على السيد المسيح كانت لغير ما اتهام أوجريمة ، فإنه- على حد رواية الأناجيل- بعد أن أرسلت إليه امرأته قائلة" إياك وذلك البار" كان يؤثر أن يطلق سراحه عقب القبض عليه ، وخاصة في مناسبة العيد استجابة للمطلب التقليدي في أن يطلق لهم كل عام مذنبا، ولكن تصور" بيلاطس"- على حد رواية"متى"- أن الجماهير اليهودية لم تكن قد استجابت لثورة كهانها والمسيطرين عليها، فكان يرغب في أن يكون مطلب الجماهير إطلاق سراح"السيد المسيح" ولكنه أمام المطلب اليهودي في أن لا يطلق سراح السيد المسيح لم يكن عليه إلا أن يستجيب.!! وكانت عملية القبض على "السيد المسيح"!! قد تمت بطريقة تتنافى وقداسة السيد المعلم- مما يكشف عن نهاية هذه المقدمة التي بها تم القبض عليه، وهي أنهم لم يكن مطلبهم إطلاق سراحه،بل المطالبة بإعدامه- فقد سيق في عنف وقسوة كأنه مخرب أو مخطئ أو مسيئ، ولقد استاء - عليه السلام- من أسلوب القبض عليه إلى الحد الذي يقول فيه"متى" فيما يرويه عن السيد المسيح أنه قال:"..في تلك الساعة قال يسوع للجموع كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذوني." [ التاريخ اليهودي العام، صـ 344-346، بتصرف.] "وعقب عملية القبض التي تصورها الأناجيل، يقول"متى" إنه"....فيما هو يتكلم إذا يهوذا واحد من الاثنى عشر قد جاء ومعه جمع كثير، بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلا الذي أقبّله هو هو ، أمسكوه، فللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي وقبّله، فقال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت، تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه." [ إنجيل متى، إصحاح 26(47-51)] وهنا - على حد هذه الرواية الإنجيلية - يتعرض السيد المسيح لموقف في غاية الخطورة ومنتهى الدقة في كل تصرف أو بادرة منه، ذلك أن الذين أمسكوه قد مضوا به إلى بيت رئيس الكهنة المدعو"قيافا" حيث كان القوم جميعا من الكتبة والشيوخ وغيرهم من رؤساء الشعب اليهودي وقواده الذين كانوا قد ألبوا عقب القبض عليه كل جمهور الشعب اليهودي بمختلف فئاته وطوائفه إلى الحد الذي أمكن فيه الحصول بيسر على من يتقدم بشهادة زور للمحاكمة الغاشمة التي عقدت للسيد المسيح في حوار عنيد، وقائم على التحدي والسخرية. ولقد جاء -على حد رواية الأناجيل- شاهدا زور، وقالا: هذا قال: إني أقدر على أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه".[ إنجيل متى، إصحاح 26(61)] وأمام هذا السخف في جو موبوء ومسموم بالحقد والوشاية والدسائس، كان رئيس الكهنة يقول للسيد المسيح في سخرية شامت:" هل أنت المسيح ابن الله"... ولا يجيبه السيد المسيح بغير قوله"أنت قلت".وحين قال السيد المسيح للجمع المنافق المتآمر في لقاء محاكمة غير ذات موضوع، عقب القبض عليه مباشرة، "أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء" مزق رئيس الكهنة الحاقد "قيافا" ثياب السيد المسيح قائلا:قد جدّف ، ما حاجتنا بعد إلى شهادة شهود، ها قد سمعتم تجديفه،[ جدف أو التجديف في العهد القديم كانت عقوبته الإعدام رجما بالحجارة، لذلك كان التجديف بحسب قانون اليهود سببا كافيا للحكم بالإعدام، وتقليد تمزيق الثياب يدل على مدى خطورة هذا الاتهام نظرا لأن هذا العمل كان مفروضا أنه محرم على رئيس الكهنة حتى في حالة اظهار الحزن الشديد على ميت، التفسير الحديث للكتاب المقدس، صـ 465،بتصرف، ط/ دار الثقافة.] وقاموا كما يقص إنجيل متى- في بهيمية الغوغاء والسوقة كى يبصقوا في وجهه ويلكموه ويلطموه قائلين:"تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك.؟" [ إنجيل متى ، إصحاح 26(64)] !! ا.هـ[ التاريخ اليهودي العام، صـ 346-347.] أقول: وما كان هذا أحد سوى الخائن، الذي ألقي عليه شبه المسيح، يلقى بعض جزاء خيانته في الدنيا،من بصق ولكم ولطم، وعنف وقسوة وسخرية، ولأن من حفر لأخيه حفرة وقع فيها، فكيف لو كان معلمه ونبيه ؟! فها هو الخائن يتلقى كل ما كان ينتظر المسيح لو قبض عليه، وكان هو سببا فبه.وكأني بقوله- إن صح هذا -:أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء" إنما هو من باب الندم، والاعتراف بفضل سيده المسيح الذي نجا، ورفع إلى السماء، ومصداق هذا ما جاء في إنجيل برنابا بالإصحاح 15(112، 113)"... ولكن حدث مالم يكن في الحسبان، فإنه عند تقبيل الخائن للمسيح ألقى الله على الخائن شبه عيسى وملامحه تماما، فأصبح الدليل هو المدلول عليه، وأصبح الذي قَبَّل يحمل جميع ملامح الذي قبِّل، وتقدم جند الرومان فقبضوا على الخائن وارتج عليه ، أو أسكته الله فلم يتكلم حتى نفذ فيه حكم الصلب".[ انظر تفسير البيضاوي، ج1، صـ 64، 104، بتصرف.] وبهذا نجا الله السيد المسيح، الذي انسل من بين المجتمعين ، فلم يحس به أحد، وكان الامر كما قال الله تعالى: وتبعهم النصارى في هذا الزعم الفاسد، وحولوه إلى عقيدة من معتقداتهم الزائفة، مع أن الحق الذي لا يقبل الشك هو ما قاله الله تعالى: ولا السنهدرين" أول شكل تنظيمي من أشكال التنظيم العنصري السري"القوة الخفية" وهو المجلس الأعلى الذي يحكم الطائفة، ويملك وحده حق الحل والعقد في شئونها. والسنهدرين كلمة دخيلة على اللغة العبرية بعد عصر الكتاب المقدس بأجيال، وأصلها يوناني" سوندريون" بمعنى المجلس ، أو الجمعية، أو الهيئة الاستشارية، من فعل في اللغة اليونانية هو" سوندرهو" معناه: اجتمع، واستعمل اليونان لفظة" سوندريون" في لغتهم المؤتمر السياسي الذي ينعقد على أثر الحروب، ولهيئة أركان الحرب، كما عبرو بها عن المحكمة العليا، وكذلك :مجلس الشيوخ.واستعملها المؤرخ اليهودي"يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي، في حديثه عن التنظيمات الجديدة التي أدخلها "جوبيونوس" الحاكم الروماني على الشام سنة 57 ق.م. وعندما قسم فلسطين إلى خمس محافظات ، وجعل لكل منها هيئة حاكمة تسمى" السنهدرين" وكانت "أورشليم" إحدى هذه المحافظات الخمس، - وأوضح كثير من محققى التاريخ اليهودي أن استعمال هذه الكلمة اليونانية بين اليهود أقدم من ذلك ، حيث يرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ترجموا بها اللفظة العبرية الفصحى"زقينيم" أي شيوخ الجماعة، اقتداء بموسى الذي اختار من قومه سبعين رجلا، هم أعضاء المجلس الذي يحكم بني إسرائيل، ولا ندري كيف كانوا يحكمون على أيام موسى، ولكننا نعلم أنهم في عصور ما بعد السبي البابلي كانوا يقومون بالمشورة والإفتاء وتنظيم الهيكل والقضاء بين الناس، كما كانوا هم الذين يصدرون أحكام الإعدام، وكانت هذه المهمة الأخيرة دقيقة جدا بالنسبة لهم، فكانوا يعنون بالبحث عن الشبهات والظروف المخففة حتى لا تكثر أحكام القتل، إحتراسا من قول التلمود:"إن السنهدرين الذي يقتل واحدا كل أسبوع لجدير بأن يسمة مخربا"وقد نظم أخبار التلمود "السنهدرين" فجعلوه على درجتين: السنهدرين الأعظم؛ وهو المجلس الأعلى المركزي لجميع اليهود، ويتألف من سبعين رجلا، على رأسهم واحد ينوب عن موسى، هو الملك إن وجد، أو الحاخام الأكبر، وكانوا إذا اجتمعوا جلسوا في نصف دائرة. - السنهدرين الأصغر: وهو مجلس محلي لكل تجمع يهودي ، يتألف من ثلاثة وعشرين عضوا. وقد ورد في التلمود أن مدينة أورشليم كانت تمتاز بمجلسين من السنهدرين الأصغر، ينعقد كل منها عند باب من أبوابها، إلى جانب السنهدرين الأعظم الموجود بها أيضا. وكان السنهدرين الأصغر محكمة تقف في القضاء عند درجة معينة لا تتعداها، إذ تذهب القضايا الكبرى إلى السنهدرين الأعظم. ورئيس السنهدرين الأعظم كان يحمل لقب (أمير) بالعبرية (ناس)، ويتخذ مكانه في وسط الأعضاء، بصفة خليفة موسى، وكان اختياره يتم بالانتخاب بين الأعضاء، ولم يكن يشترط فيه أن يكون أكبرهم سنا، ويكتفي بأن يكون أوسعهم علما وأشدهم غيرة على الدين، وأعمقهم وعيا بمصالح اليهود. هذا، وجلسات السنهدرين الرسمية لم تكن تعقد عادة في بيت رئيس الكهنة، ولذلك حين اجتمع السنهدرين في كامل هيئته، فإن من المعتقد ألا تعتبر هذه "محكمة" حقيقية، بل اجتماع عقد لهدف واحد، هو تمكين السلطات اليهودية من أن توافق أولا على: ضرورة إصدارحكم الموت على يسوع (وهذا أمر يخضع للقوانين اليهودية) وثانيا: الاتفاق على خطة مناسبة لإغراء الوالى الروماني على إصدارحكم الإعدام (وهذا يتطلب بالطبع تهمة يكون للقضاء الروماني حق الولاية وصلاحية النظر فيها. راجع في هذا: الشخصية الإسرائيلية ، د/حسن ظاظا، صـ 51-54، المسيح في مصادر العقائد المسيحية، م/ أحمد عبد الوهاب، صـ 150، ط/ مكتبة وهبة الأولى، سنة 1978م، 1398هـ، جذور الفكر اليهودي، صـ 90، التفسير الحديث للكتاب المقدس، صـ 420، ط/ دار الثقافة. ] ليفكر كيف يكون التخلص من المسيح، حيث قرروا ضرورة التخلص منه، ثم أصدروا في هذا الاجتماع أمرا بأن كل من يجد المسيح أن يبلغ عنه، ليلقوا القبض عليه، وأخذوا في التجسس كخطوة تنفيذية لما تم إصداره من ضرورة القبض على المسيح، وقد استعمل اليهود في هذه الخطوة الإغراء بالمال ، وهو إحدى الوسائل الهامة لديهم لتحقيق أهدافهم، فتسللوا وسط أتباعه وأصحابه وارتبطوا بواحد من الذين يلازمون المسيح ليعرفوا أخباره منه، وحولوه من تابع مؤمن ، إلى ساع لتنفيذ مؤامرة ضد معلمه وسيده!! ويبدو أن تعاليم سيده لم تصل إلى قلبه فلم يصمد إيمانه أمام ضغط المادة وقوة الإغراء، إلى أن تم القبض على السيد المسيح -كما تقول الروايات- بأسلوب عنيف قاس، كأن المسيح مخرب أو مسيىء، أو مجرم قاتل!! وبعد القبض عليه قدم للمحاكمة أمام المجلس اليهودي، وعندئذ اجتمع الكتبة والشيوخ، وتقدم شهود زور كثيرون ليفتروا على المسيح فرية تكون مبررا لقتله. كما نفث أولاد الأفاعي سم مؤامرتهم ، حيث وشوا بالمسيح عند الحكومة الرومانية، مدعين أن دعوة المسيح لن تبقى الشعب على ولائه للحكم والسيادة الرومانية، فإن الشعب لو سمع دعوته فإنه سيعمل على التحرر النفسي، والتخلص من الأسر الاجتماعي والسياسي بأداة الدعوة الجديدة. وشوا بهذا وغيره، رغم أن المسيح لم يتعرض لسياسة الدولة بنقد أو تجريح. وبهذه الوشاية دخلت الدولة معركتها مع عيسى، وهكذا تآمر اليهود لارتكاب هذه الخطئية والاشتراك في هذه الجريمة التي اشترك فيها الجميع ورضيها، ولم تتم إلا بعد اجتماع ومشاورة وإقرار، حتى اشترك فيها الشعب اليهودي أيضا، ذلك الذي ضلل تماما، وأصبح أداة عمياء تبغي ما يريد القوم الذين استشعروا خطر دعوة السيد المسيح . خطيئة القتل الكبرىالتي أرادها اليهود،أوقام بها اليهود -علىحد رواية الأناجيل- عند مطاردتهم للسيد المسيح وقتله، لم تكن عملية استأثرت بها طائفة من اليهود دون باقي الطوائف اليهودية، ولا إثما وقع فيه بعضهم باندفاعه أو علاقة خاصة يمكن أن يتبرأ منها الآخرون. [ وهنا ينبغي أن نسجل -للأمانة العلمية رأيا آخر- يؤكد أن "لفريسيين " من اليهود كانوا وراء هذه المؤامرة ، فقد ذكر الدكتور كامل سعفان أن من أهم معتقداتهم الإيمان بمجئ "المسيح المنتظر" ليعيد"ملكوت الله" ومع ذلك كانوا -بسبب تعصبهم- الطائفة التي وقفت في وجه السيد المسيح، وكانت على رأس المؤتمرين به، ولم ينفكوا يدبرون له الكيد، حتى حكم بصلبه. اليهود تاريخ وعقيدة صـ 205 بتصرف] وقال الدكتور أحمد شلبي: ويرى بعض الباحثين أن الفريسيين لا يكونون فرقة دينية وإنما يمكن ان نطلق عليهم حزبا سياسيا له اتجاهاته الدينية، وهم يعتقدون أن دولة اليهود لا بد أن تستعيد مكانتها، ولذلك كانوا يؤمنون بالمسيح الذي يجيئ ليعيد "ملكوت الله" وكان الفريسيون يريدون من بني إسرائيل ان يتمسكوا بالعقيدة القديمة...وكانوا يعارضون الأنبياء وكان لهم نشاط واسع في المجتمع اليهودي ووضعوا أنفسهم موضع المعارضة ، وصورهم كاتبوا الأناجيل في صورة معارضة للمسيح عيسى عليه السلام ووضعوهم في موضع معارض له، انظر اليهودية صـ 227، 228، بتصرف، وكذا قاموس الكتاب المقدس، صـ 675.] وإنما الخطيئة التي تقصها آيات الأناجيل وخاصة فيما ورد في "متى "من الإصحاح السابع والعشرين، أن الشعب اليهودي مممثلا في سادته وشيوخه وكهانه استجاب لموجة من التضليل رهيبة ومخيفة أعمت الشعب جميعه عن الحقيقة التي أرادوا قتلها والتخلص منها، ليعودوا مرة ثانية بعد التخلص من خطر الدعوة الجديدة إلى مراحل القهر والزيف والرياء والنفاق التي طالما تم فيها استغلال عرق المكافحين حتى ضاعت بينهم وفيهم قيم العدل والإخاء. يقول"متى":..ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه، فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي." وهنا فقط إذا كان لنا أن نقف عند آيات الأناجيل والمعتقدات التي وردت بها، فنقول على ضوئها: إن عملية القتل التي قام بها اليهود ضد السيد المسيح لم تتم إلا بعد اجتماع ومشاورة وإقرار. لو لم يكن الشعب اليهودي جميعه قد غلب على أمره، وضلل تماما، وأصبح أداة عمياء، تبغي ما يريد القوم الذين استشعروا خطر دعوة السيد المسيح لما تيسر للمجتمعين أن يحققوا ما ابتغوا ولقامت في وجههم طوائف الجموع الفقيرة والمتملمة من طول الآم السخرة والسيطرة اليهودية في ظل قسوة الطبقات اليهودية المستغلة. أقول: لولا أن الجماعات الفقيرة والمريضة التي كانت تري أن السيد المسيح أداه لها ومخرجا من محنة الآلام وشدائد البلاء قد غلبت على أمرها ووصلت بها موجة التضليل إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه الجماهير بمختلف طوائفها أداة عمياء لما تيسر للمجتمعين والمتأخرين أن يحققوا مبتغاتهم ضد السيد المسيح. وهذا التقرير على حد ما تصوره الأناجيل للمؤمنين بها يتضح تماما ويتقرر مما يصوره "متى" في الإصحاح السابع والعشرين ، وهو يرسم الجو العام لحال الشعب اليهودي حين إقرار الخطيئة قبل تنفيذها، فيقول: "..... ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على أن يطلبوا "باراباس" ويهلكوا "يسوع" فأجاب الوالى وقال لهم: مَن مِن الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟ فقالوا:"بارباس" فقال لهم "بيلاطس" فماذا أفعل بيسوع الذي يدعي المسيح ؟ قال له الجميع: ليصلب فقال الوالي: وأي شرعمل؟ فكانوا يزدادون صراخا قائلين:ليصلب، فلما رأي بيلاطس أنه لا ينفع شيئا، قال: إني برئ من دم هذا البار، أبصروا أنتم، فأجاب جميع الشعب، وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا ، حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب." وأمام هذا النص الإنجيلي الذي ورد عند "متى" ، فإن الثورة الإنجيلية والتي يؤمن بها كل أصحاب المعتقد الديني في الأناجيل تصور الشعب اليهودي جميعا بأنه قد استجاب لثورة كهانه وشيوخه، وأصبح معهم تحت توجيه القادة في رفض كامل لكل ما يتعلق أو يتصل بالسيد المسيح ، بل ويصور رغبة الوالي في أن يعفو عن المذنب الذي أخر العفو عنه كما كان يتبع تقليديا، فقد كان الوالي يريد أن يقدم للجماعات اليهودية في عيدهم مذنبا عندهم هوالسيد المسيح ويطلق لهم سراحه ،ولقد كان يوجد وقت القبض على السيد المسيح ومطاردته عند القوم جميعا مذنب كبير ومخطئ آثم يعرفونه، ويتأكدون من عظم ذنبه. وفداحة ما اقترف، ولكنهم أصروا على التخلص من السيد المسيح ومع اختلاف طبيعة كل من الـمُتَهَمَين "السيد المسيح، والمذنب الآثم" إلا أن القوم جميعهم في الثورة العمياء والاندفاعة الحمقاء التي قتلت فيهم جميعا المعاني الإنسانية التي كان من الممكن أن تربطهم بقيم أوعقيدة، وجعلتهم يأبون أن يطلقوا سراح المعلم والداعية بعد أن عميت قلوبهم وبصائرهم ، وأصبحوا يمثلون موقفا غوغائيا أحمق، ومن عجب أن آيات الإنجيل لم تخل عند هذا المعتقد بالذات في روايتها له من الإسهاب والتفاصيل لكل ما يتعلق بالظروف العامة وبالدقائق التي كانت من وجهة نظر الرواة الإنجيليين تحيط بالنهاية التي فرضها اليهود على السيد المسيح- سلام الله عليه. ولقد كان إقرار الخطيئة اليهودية التي قرر القيام بها وتنفيذها تحالف قوى الكهان والشيوخ تعبيرا عن توجيه ممثلي فئات التناقض الاجتماعي من الفريسيين والبارسيين والصدوقيين والعشارين والمرابين وغيرهم، ثم تأثيرهم جميعا في الحال الاجتماعي كله وتلويثهم لما تبقى من العقيدة الدينية التي كانت مناخا عاما للسيد المسيح من أثر دعوته. ولقد بلغت السيطرة اليهودية تضليلا للجماهير المغلوبة على أمرها إلى الدرجةالتي كانت تجعل جمعا كبيرا من الشعب المريض المطحون بالألم يتجرد من الولاء للبشارة الدينية على يدي السيد المسيح ويتحلل من الارتباط بالعقيدةالدينية على يد المعلم العظيم . ولقد بلغ من سيطرتهم على الجماهير البسيطة أن الذين كانوا يرون في السيد المسيح المخرج والخلاص أصبحوا تحت أسر القوى الثائرة تثور هي الأخرى وتهلل للنهاية التي مثلت أبشع مرحلة في تاريخ قاتلي الأنبياء وراجمي المرسلين. ولقد كان كل هذا بعض حلقات في السلسلة الطويلة التي تقود الفرد الإنسان اليهودي ومجتمعه إلى بهيمية الطبع الملتوى والخلق النهاز الذي يأبى إلا أن يكون مسيطرا أو سيدا أو مستغلا، يمثل كل أساليب العلاقات العنصرية ومظاهر الاستغلال المقيت، ما إن تلوح في أفق حياتهم دعوة من الحق والعدل والمساواة، إلا وتقوم الكهانة الدينية في خدمة السيادة الدنيوية وتتكاتف قوى تناقضات الميراث القائم على الوشاية والاستغلال حتى تتخلص من الدعوة والدعاة بالقتل أو بالتشريد أو المطاردة، وهذا هو ما تقصه آيات الأناجيل كميراث لكل المؤمنين بهذه الآيات عما تعرضت له دعوة المعلم العظيم، وعما تعرض هو له وعما ناله أصحابه ووقع عليهم من صنوف المحن والآلام حتى انتهى الدور العظيم للمعلم - سلام الله عليه- وقوى الاستغلال اليهودي ساخطة عليه وثائرة. [ التاريخ اليهودي العام، صـ 347، 350، بتصرف.] ثم ماذا ؟ "إنه بعد المحكمة الملفقة والتي لم تكن سوى موقف من المهاترات التي أرادها القوم في حوارهم مع السيد المسيح، وبعد الأخبار المتعلقة بالقبض عليه ، والمناقشات الدينية التي تمت بعد القبض عليه- فيما تقصه الأناجيل- كان الحال الاجتماعي أن الجماهير اليهودية قد ضللت، أي أنها قد أصبحت في موقف رفض وثورة وتمرد وسخط على المعلم، وكأن "متى"- فيما يرويه في الإصحاح السابع والعشرين- يريد أن يصف تظاهرة ثائرة وساخطة أحاطت بالموكب الذي لازم السيد المسيح، وهويساق إلى النهاية الأثيمة التي تصورها الأناجيل للمؤمنين بها. يصور لنا "متى" غوغائية الشعب اليهودي وبهيمية طبعه، واندفاعه الأعمى الأحمق، وهو يطارد- في النهاية- داعي الحب والسلام، بعبارات الشماتة والسخرية والهزء والنكران،والنيات المبيتة بالغدر والخداع ولم يكتف بالمطاردة والتضييق والحصار وتعبئة الجمهور بالقوة والوشاية، ثم تشويه كل ما دعا إليه ، وما نادى به، لإيقاف خطر دعوة المسيح الجديدة، ثم التمرد والثورةحتى كانت المأساة بأن اشترك الجميع في تلك النهاية المأساوية.!! كل هذا يصور لنا علاقة الشعب اليهودي عبر التاريخ في مواقفهم من دعاة الحق والخير والسلام، فإنه من داخل الحال الذي يصوره "متى" عن السيد المسيح - الذي نعتقد نحن أنه الشبيه- وهو يساق في موكب الشامتين الساخطين و قد نزع القوم عنه ملابسه وعروه ووضعوا حول رأسه شوكا، أو ضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وبصقوا على وجهه، وجعلوا قصبة في يمينه، وهم يستهزئون به، قائلين: السلام عليك يا ملك اليهود، ثم يبصقون عليه. هكذا يصور الإنجيل هذا المشهد المأساوى، ونحن نستخلص منه: كيف يعمل النكران والكفر عمله ببني إسرائيل في علاقاتهم وتاريخهم مع السيد المسيح، فحتى أثناء المواقف الرهيبة التي طاردوا فيها السيد المسيح، ووصل إلى الحال الذي صورته الأناجيل، قد وقفوا منه في شماتة وسخرية، ينادون بعبارات الجحود والنكران، مؤملين في اندفاعهم وحقدهم أن يقتلوا في قلب من لا يزال متعلقا أو مرتبطا بما دعا إليه المعلم عليه السلام- كل أثر لهذا الارتباط. يقول "متى":....وكذلك رؤساء الكهنة أيضا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها! إن كان هو ملك إسرائيل فينزل الآن من على الصليب فنؤمن به ، قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراد ، لأنه قال أنا ابن الله". ومن أعجب العجب أنه حتى الذين لم يكن من صالحهم ولا يضيرهم حياة السيد المسيح أو نهايته، بل وما يكون لهم أن يجاروا قوى التناقض الطبقي الذين يهددهم منهج السيد المسيح في الحياة ودعوته إلى الحب والعدل، أن اندفعوا مع القوم في ثورتهم ، وأصبح تيار التمرد والسخط والرفض لقيم الحق والخير يشمل جميع فئات وجماعات بني إسرائيل، فاللصان اللذان كانا حكم عليهما بالصلب، وبنفس النهاية التي يبتغيها القوم للسيد المسيح، قد أصبحا رغم نهايتهما السيئة، مثل القوم جميعا ويرون في السيد المسيح مثلما يستشعر القوم جميعا، الخطر والرفض لوجود حياة المعلم العظيم، فكانا- على حد رواية "متى" - يقفان نفس الموقف"... وبذلك أيضا كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه"!! إنها- على أي حال- صورة من حوادث التاريخ الإنساني المريرة- كما تصورها الأناجيل- تكالبت فيها قوى الشركي تمزق من الأرض قضية الخير قبل أن ينمو ويستقر، على لسان صاحب دعوةٍ يؤسس مبادئها ويجمع الناس عليها من أجل الحق والعدل . إنها آيات تصور لنا المعتقد الديني- حسبما سجلته الأناجيل- عن علاقة الشعب اليهودي وجماعات إسرائيل بالسيد المسيح، ويمثلها القوم الإسرائيليون كأسلوب حياة في محاولات لاستبقاء وهم التشدق بالأفضلية والامتياز أو الاختيار والاصطفاء، فإن المرحلة الخطيرة من عمر الوجود الإسرائيلي وهي المرحلة التي حاول فيها السيد المسيح أن يؤصل ويخلق مع معاني الخير في قلوب الذين سرقوا الحق وقتلوا أصحابه- على حد ما ترمز إليه عبارات الأناجيل-فرفضوا الدعوة وصاحبها.!! ومع كل هذه الاستخراجات التي أتينا عليها مما قررتها آيات الأناجيل في تاريخها لنوع العلاقة اليهودية المسيحية التي بدأت من جانب جماعات إسرائيل في عصر الميلاد بالتخلص من صاحب الميلاد- عليه السلام- ثم عنادهم وإصرارهم ومواصلتهم طريق العداء والرفض، بل والمطاردة لكل قيم ومبادئ وعقيدة صاحب الميلاد عليه السلام، فإنه في العصر الحديث وتحت سمع الدنيا وبصرها، قد وجد من الذين أرادوا أن يشوهوا ميراث الدين المسيحي وصلب دعوته وعقيدته في خدمة مرحلة جديدة وعصرية من محاولات اليهود صهاينة الحركة الاستعمارية العنصرية الرأسمالية - مجموعة من العملاء والجهلاء ، على حد سواء- عملوا على أن يشوهوا آيات العقيدة الدينية المسيحية التي تكشف عورات اليهود وسوء نياتهم نحو قيم الحب والحق والخير، وتبدد النظر عن إثم عملهم وخطيئة ميراثهم، كان ذلك حين أمكن لنشاط اليهود العالمي أن يصل إلى معقل القداسة الدينية وموطن التطهر المسيحي في العالم كي يمسخ ويشوه الآيات التي تقوم عليها قداسة الدين المسيحي ومعتقد المسيحيين في الفاتيكان وفي غيره من بقاع الأرض، وحيثما يوجد مسيحي يردد بضع آيات من الأناجيل يؤمن بها ويعتز بقداستها." [ التاريخ اليهودي العام، صـ357-363، بتصرف.] حقا إنها مفارقة عجيبة" تبرئة اليهود من دم المسيح:ومع أن المسيحية كانت منذ بدايتها دحضا صريحا لكل آمال اليهود، قائلة:" هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا" فإننا نجد أن المسيحية قد تحولت منذ آواخر القرن التاسع عشر إلى أكبر مساند عنيد، لتحقيق آمال اليهود ومطامعهم، حيث خضع "البروتستانت" أولا، ثم ها نحن نرى أن الكاثوليكية قد خضعت هي الأخرى في السنوات الأخيرة، حتى أعلنت تبرئة اليهود من دم المسيح،وسمحت للمسيحيين بالانضمام إلى محافل الماسونية.!! [ المخططات التلمودية، صـ63] قد كان على المسيحيين - قبل المسلمين- أن يهبوا - ولديهم القوة لأخذ ثأرهم من بني إسرائيل- " اليهود" لدورهم الذي قاموا به مع أعظم شخصية لديهم، لا أن يمتحلوا لهم الأعذار ، ويقوموا بتأليف وثيقة لتبرئة اليهود من دم المسيح . [ جنايات بني إسرلئيل على الدين والمجتمع، صـ 159-160، بتصرف.] حيث أصدر" المؤتمر الاكليروسي العالمي" المنعقد برئاسة "البابابولس السادس" سنة 1963م ، قرارا بتبرئة اليهود من دم المسيح ،هذا نصه:" إن التآمر اليهودي على السيد المسيح لم يكن جماعيا، وإن اليهود الذين لم يحضروا ذلك التآمر أبرياء من اللعنة." هذا القرار لم يأت عفو الخاطر وإنما جاء ولا شك بعد جهود دائبة مكثفة وعمل مضني امتد عدة قرون. [ القوى الخفية، صـ78-79، بتصرف.] تبرئة اليهود من اللعنة مع أن الانجيل ينص صراحة على لعن اليهود.!! ويؤكد على أنهم هم الذين طلبوا اللعنة على أنفسهم، وعلى ذراريهم من بعدهم، وهذا يدل على أن القرار لم يأت عفوا بلا تعب، فلا يدين جميع اليهود الذين عاصروا المسيح،ويبرئ اليهود الذين لم يحضروا ذلك التآمر من الأجيال اللاحقة، تلك الأجيال التي كانت وما تزال وستبقى تحمل التوراة وتقدسها، وتقدم التلمود عليها- وكما رأينا التلمود- يصف المسيح بالدجل، ويصف أمه بالزنى، ويحكم عليه أنه في سقر، بين القار والنار.!! فهل لمثل هذا ينعت شعب الله المختار بالشعب الملعون، والشعب القاتل؟!! لا، لا... إنه برئ من اللعنة ، برئ من الصلب والقتل!! ولم يكتف المؤتمرون بقرار التبرئة هذا ، بل إنهم حملوا على جميع الأديان، ما عدا المسيحية واليهودية طبعا، ووصفوها بأنها ديانات وثنية. [ القوى الخفية، صـ 80] ومع وجود هذا القرار الذي برأ ساحة اليهود من دم المسيح لا يسعنا إلا أن نفتح الإنجيل لنفتح به بصيرة عميان المسيحية بعد أن أعمت اليهودية بذهبها بصرهم. لنفتح إنجيل متى، ونقرأ"ويل لكم، أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون : لو كنا في أيام آبائنا، لما شاركناهم في دم الأنبياء، فأنتم بذلك تشهدون على أنكم قتله، أيها الحيات، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء إبليس، كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة"[ إنجيل متى، إصحاح، 23.] ألا يدل هذا الكلام الذي جاء على لسان المسيح ، دلالة صريحة على أن اليهود قتلة في كل زمان ومكان؟هل ما زلتم في شك من ذلك؟ أما قرأتم هذا الحوار الذي دار بين اليهود وبين "بيلاطوس البنطي،" قُبَيل محاكمة المسيح..؟ بيلاطوس: وأي شرعمل؟ الجميع: ليصلب ، ليصلب (فلما رأي بيلاطوس أنه لا ينفع شيئا، أخذ ماء، وغسل يديه قدام الجميع) وقال بيلاطوس: إني برئ من دم هذا البار، أبصروا أنتم الجميع: دمه علينا وعلى أولادنا. فهذا بيلاطوس غسل يديه من دم المسيح، لئلا يلطخها بالدم البرئ، في حين كان جميع المجتمعين يقولون : "دمه علينا وعلى أولادنا"[ إنجيل متى، إصحاح، 27(20-26) بتصرف.] ولا شك أن المسيحيين قد قرأوا في إنجيلهم هذا الحوار المأساوي الذي دار بين المسيح ومن أرادوا صلبه قبيل تنفيذ عملية الصلب هذه- حسب زعم الإنجيل. اليهود: أبونا إبراهيم. المسيح: لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعلمون أعمال إبراهيم، ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله، هذا لم يعمله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم. اليهود: إننا لم نولد من زنى، لنا أب واحد، هو الله. المسيح: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من قبل الله وأتيت ، لأني لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي، أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالا للناس من البدء، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنه يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب، وأما أنا فلأني أقول الحق، لستم تؤمنون بي، من منكم يبكي على خطيئته؟ فإن كنت أقول الحق، فلماذا لستم تؤمنون بي؟ الذي من الله يسمع كلام الله. اليهود: ألسنا نقول حسنا؟ إنك سامري ، وبك شيطان. المسيح: أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي،وأنتم تهينونني، أنا لست أطلب مجدي، يوجد من يطلب ويدين، الحق الحق أقول لكم، إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرى الموت إلى الأبد. اليهود: الآن علمنا أن بك شيطانا، قد مات إبراهيم والأنبياء ، وأنت تقول إن كل واحد يحفظ كلامي، فلن يذوق الموت إلى الأبد، ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات والأنبياء الذين ماتوا؟ من تجعل نفسك؟ المسيح: إن كنت أمجد نفسي ، فليس مجدي شيئا... إبي هو الذي يمجدني، الذي تقولون أنتم إنه إلهكم، وليس تعرفونه، وأما أنا فأعرفه، وإن قلت إني لست أعرفه أكن مثلكم كاذبا، لكنني أعرفه وأحفظ قوله. أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي،فرأى وفرح. اليهود: ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟ المسيح: الحق، الحق، أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن. تقول الرواية: لقد رفعوا حجارة ورجموه بها، ثم بعد ذلك صلبوه. [ إنجيل يوحنا، إصحاح، 8(38-4)] (زعموا!!) فهذا الذي فعله هؤلاء الأبرياء !! فهل تريدون المزيد؟ وأنا أعلم- وأيم الله - أن المسيح لم يصلب، ولكني أوقن والله لو لم يرفعه الله إليه لصلبه اليهود، ما يتورعون من ذلك، ووالله لو استطاعوا صلبه وقتله أكثر من مرة لفعلوا، وليس هذا مع المسيح فقط، بل ومع كل الأنبياء، وسائر الصلحاء، والمصلحين والمقسطين، وصدق ربنا العظيم، القائل في قرآنه الكريم: إنهم ما قتلوا المسيح لأن الله نجاه، ولأنه رفعه إليه، ولكن القتل والصلب وقع على شبه المسيح، كما قال تعالى: - إن المسيح جاء ليكشف تعاليم اليهود الشريرة، ويطردهم من الهيكل الذي دنسوه، ولهذا فإنهم لم يعفوا عنه. - إن قرار التبرئة هذا كان قراراً سياسيا، اقتضاه قيام إسرائيل وخروج اليهود علنا إلى مسرح السياسة العالمية. فهل رفع المسيحيون على اليهود قضية يطالبونهم فيها بدم المسيح، حتى يطلب هؤلاء منهم براءتهم من دمه؟ إن الإجابة على السؤال تفسر لماذا ألح اليهود على الفاتيكان بإصدار القرار، وفي هذا الوقت بالذات!! [ القوى الخفية، صـ 92، 94بتصرف.] في الوقت الذي أجمع اليهود والنصاري علي قتل المسيح وصلبه ، وراحت الأناجيل ، التي بأيدي القوم تقرر وتصور نهاية المسيح ، والتي أصبحت عقيدة لهم وأساسا من أسس المسيحية علي اختلاف طوائفها، فإن للقرآن الكريم موقفا آخر من نهاية المسيح- عليه السلام - نوجزه إتماما للفائدة، كما لخصه ربنا سبحانه في قوله قال ابن كثير رحمه الله : قال تعالي وهو أصدق القائلين ورب العالمين والمطلع علي السرائر والضمائر، الذي يعلم السر في السموات والأرض ، والعالم بما كان وما يكون ومالم يكن لو كان كيف يكون: فلما رفع خرج أولئك النفر ،فلما رأي أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسي فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك علي رأسه . وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه ، وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصاري بذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ماعدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه ، وأما الباقون فقد ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم. [ محاضرات في النصرانية، للشيخ الإمام أبو زهرة، صـ24، بتصرف.] وبعض الآثار تقول : إن الله ألقي شبه المسيح علي" يهوذا" ، و"يهوذا" هذا هو" يهوذا الأسخريوطي" الذي تقول الأناجيل عنه : إنه هو الذي وشى عليه ليرشد القابضين عليه ، إذ كانوا لا يعرفونه وقد كان أحد تلاميذه المختارين في زعمهم ولقد وافق هذا إنجيل برنابا موافقة تامة، ففيه:"ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع ، سمع يسوع دنو جم غفير ، فلذلك انسحب إلي البيت خائفا ، وكان الأحد عشر نياما ، فلما رأي الله الخطر علي عبده، أمر جبريل وميكائيل وروفائيل وأدريل [ يريد إسرافيل وعزرائيل ] سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم ، فجاء الملائكة الأطهار واخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب ، فجعلوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلي الأبد ... ودخل "يهوذا" بعنف إلي الغرفة التي أصعد منها يسوع ، وكان التلاميذ كلهم نياما ، فأتي الله العجيب بأمر عجيب ، فتغير "يهوذا" في النطق وفي الوجه ، فصار شبيها بيسوع حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع ، أما هو فبعد أن استيقظ أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم ، لذلك تعجبنا ، وأجبنا أنت يا سيدي معلمنا ، أنسيتنا الآن ....الخ " [ المرجع السابق، صـ 24، بتصرف.] إن الذي يقرا قصة الصلب في الأناجيل يلاحظ أن الشخص الذي صلبته اليهود لم يكن عيسي ، وذلك لما يلي : - 1- لم يكن " عيسي " معروفا بشخصه لدي رجال الشرطة ، التي أمرت بالقبض عليه ولذا أخذوا معهم " يهوذا الأسخريوطي" ليعينه لهم ، 2- ثبت أن "يهوذا" ندم على استعداده لمعاونة الشرطة ، في تعيين شخص عيسى من بين التلاميذ ، ورد لهم المبلغ الذي أخذه منهم ، 1- يحتمل بناء علي هاتين الملاحظتين ، وهما مذكورتان في الإنجيل نصا ، أن يهوذا أدركته الندامة قبل وصوله مع رجال الشرطة إلي المكان الذي فيه عيسي مع تلاميذه، فعين لهم أحد التلاميذ على أنه "عيسى" ، ولم ينكر التلميذ رغبة في إنقاذ معلمه ، فأخذ وصلب ، 2- أن اليهود قتلت رجلا لم تعينه بإقرار الإنجيل ، ولم تعرفه إلا بشهادة "يهوذا الأسخريوطي" ، أنه ذلك المطلوب ، وأما الإنجيل فلا دليل فيه صادق بتحقيق ذلك ، ولا خبر قاطع للحجة ، كيف لا ونصوص الإنجيل ، والكتب النصرانية ، متضافرة دالة على عدم صلب"عيسى"-عليه السلام- ووقوع الشبه على غيره، وذلك من وجوه،منها: أ - جاء في الإنجيل أن المطلوب قد استسقي اليهود ، فأعطوه خلا ممزوجا بمرارة فذاقه ولم يشربه فنادي ،إلهي إلهي ، لم خذلتني .أو [ إيلي ، إيلي ، لم شبقتني ] [ إنجيل متى إصحاح، 28]في الوقت الذي صرحت فيه الأناجيل بأن عيسى -عليه السلام - كان يطوي أربعين يوما وليلة ، ويقول للتلاميذ : إن لي طعاما لستم تعرفونه ، ومن يصبر علي العطش والجوع أربعين يوما وليلة كيف يطهر الحاجة والمذلة والمهانة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد !! هذا لا يفعله أدنى الناس ، فكيف بخواص الأنبياء؟ أو كيف بالرب تعالى- على ما تدعيه النصارى؟!! فيكون حينئذ المدعي للعطش غيره يقينا - وهو الذي شبه لهم . ب- قوله : إلهي إلهي لم خذلتني ؟ هو كلام يقتضى عدم الرضا بالقضاء ، وعدم التسليم لأمر الله تعالي ، و"عيسى"- عليه السلام- منـزه عن ذلك ، فيكون المصلوب غيره ، لا سيما والنصاري يقولون : إن المسيح عليه السلام نزل ليؤثر العالم علي نفسه ، ويخلصه من الشيطان ورجسه فكيف يتفق هذا مع ذلك ؟ وهو علي خلافه تماما ، 5- جاء في التوراة أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسي وهارون عليهم السلام لما حضرهم الموت، كانوا مستبشرين بلقاء ربهم ، فلم يجزعوا من الموت ، ولم يهابوا مذاقه ولم يعيبوه مع أنهم عبيد الله ، والمسيح ، بزعم النصاري ، ابن الله أو هو الرب ، فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم ، ولما لم يك كذلك ، دل علي أن المصلوب غيره . 6- نطق الإنجيل بأن عيسى - عليه السلام - نشأ بين ظهور اليهود ، وكان معهم في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم ، يعظهم ، ويعلمهم ، ويناظرهم ، ويعجبون من براعته وكثرة تحصيله حتى كانوا هم يقولون : أليس هذا ابن يوسف ؟ أليست أمه مريم ؟ فمن أين له هذه الحكمة ؟ وإذا كان كذلك غاية في الشهرة والمعرفة عندهم ، فلم نص الإنجيل علي أنهم وقتما أرادوا القبض عليه لم يحققوه ، حتي دفعوا لأحد تلاميذه ، وهو يهوذ ثلاثين درهما ليدلهم عليه ؟ فلما قبله لهم ، وهي العلامة المتعارف عليها أمسكوه وربطوه وتركه التلاميذ وهربوا ، وتبعه " بطرس " من بعيد، فقال له رئيس الكهنة: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له المسيح : أنت قلت ذلك !! [ انظر إنجيل متى، إصحاح، 26.] تري هل يمكن أن تلتبس شخصية المسيح علي رئيس الكهنة والجمع الكبير حتى يستحلفه باسم الله الحي ... هل أنت المسيح ؟ فيقول له : أنت تقول ؟ !! 7- وهذا يؤكد لنا أن المصلوب ليس عيسى، وإنما غيره يقينا، ألقي عليه شبه عيسى، حتي صار الناس في شك منه ، فالشبه شبه عيسى ، ولكن الدلائل والأحوال تؤكد أنه غير عيسى - عليه السلام -لذلك سأل كبير الكهنة ذلك المصلوب! هل أنت المسيح؟ 8- وليس هذا فقط، بل شك فيه كل تلامذته، وأنكره أحب التلاميذإليه. وفي الإنجيل أيضا: "أن يسوع كان مع تلاميذه بالبستان، فجاء اليهود في طلبه فخرج إليهم، وقال لهم: من تريدون؟ قالوا: يسوع، وقد خفى شخصه عنهم، ففعل ذلك مرتين[ إنجيل يوحنا.] وفي إنجيل متى :"بينما التلاميذ يأكلون طعاما مع يسوع قال: "كلكم تشكون في هذه الليلة، فإنه مكتوب أني أضرب الراعي فتفترق الغنم، فقال"بطرس": فلو شك جميعهم ما أشك أنا، فقال يسوع: الحق أقول لك: إنك في هذه الليلة تنكرني قبل أن يصيح الديك" وقد كان. فقد شهد عليهم بالشك، بل على خيارهم أو أخيرهم" بطرس" فإنه خليفته عليهم. فقد انخرم حينئذ الوثوق بأقوال النصارى في صلب المسيح، وجزم بإلقاء الشبه على غير "عيسى" عليه السلام. 9. ماالذي يمنع الشبه أو يحيله، والله عزوجل قادر على أن يجعل شبه "عيسى"- عليه السلام- علي ذلك الخائن، أو علي شيطان، أو علي أي شيء، والله سبحانه وتعالي الذى جعل من عصا موسى حية ، قادر على أن يجعل إنسانا شبه إنسان، فإذا كان الله عزوجل خلق جميع ما للحية في عصاة موسى- عليه السلام - وهو أعظم من الشبه- فإن جعل حيوان يشبه حيوانا، أقرب من جعل نبات يشبه حيوانا وقلب العصا حية تسعى، مما أجمع عليه اليهود والنصارى، كما أجمعوا على جعل النار لإبراهيم عليه السلام- بردا وسلاما، وعلى قلب الماء خمرا، فإذا جوزوا مثل هذا، جوزوا-أيضا- إلقاء الشبه من غير استحالة. وصدق الله 10- ولم يقع الشك من رئيس الكهنة فقط، ولامن تلاميذ المسيح حتى "بطرس" فحسب ، بل من جميع من كان في المشهد وحتى الذين اقتادوا عيسى لصلبه، سألوه قائلين:"إن كنت أنت المسيح فقل لنا ؟ فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقوني، وإن سألت لا تجيبوني ولا تطلقونني. [ إنجيل لوقا، إصحاح، 22(67)] والمعنى واضح : إن قلت لكم لست أنا المسيح لا تصدقونني، وإن سألتكم بعدها أن تطلقوا سراحي لا تجيبون طلبي، ويستحيل أن يكون المعنى: إن قلت لكم أنا المسيح لا تصدقوني، لأنهم إذا كانوا لا يصدقونه أنه المسيح فلم جاءوا به؟ فلم يبق إلا المعنى الوحيد المعقول: وهو إن قلت لكم لست أنا المسيح لا تصدقوني ولا تجيبونني إلى ما أريد ولا تطلقونني. 11- بل في الإنجيل ما يصرح بنجاة عيسى عليه السلام حتما، ويؤكد إلقاء الشبه على غيره يقينا، وذلك في قوله:"أقول لكم إنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد ، فيؤخذ الواحد ويترك الآخر".[ إنجيل لوقا، إصحاح، 17(34-36)] أي التلميذ الخائن يؤخذ، ويترك المسيح ، بدليل ما جاء في سفر الأمثال "الشرير فدية للصديق"[ سفر الامثال، إصحاح، 21(18)] يعني الخائن يصلب فدية للصديق وهو المسيح. ويقول سفر المزامير:" كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الله، يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر ، الشر يميت الشرير، ومبغضو الصديق يعاقبون، الرب نادى نفس عبده وكل من اتكل عليه لا يعاقب." [ مزمور 34، عدد(18)] وفي إنجيل يوحنا" فرفعوا حجارة ليرجموه ، أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم." [ إنجيل يوحنا، إصحاح 8 (59)] فطلبوا أيضا أن يمسكوه فخرج من بين أيديهم." [ إنجيل يوحنا، إصحاح، 1(36)] 12- وفي إنجيل متى" مكتوب أنه يوصى ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك"[ إنجيل متى، إصحاح ، 4(6)] فكيف تكون الوصية للملائكة حتى لا تصدم رجل المسيح بحجر ، ثم يترك للصلب والتعذيب والإهانة؟!! 13- وفي إنجيل يوحنا:" أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه، فقال لهم يسوع أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثم أمضى إلى الذي أرسلني ، ستطلبونني ولا تجدوني، حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال اليهود فيما بينهم إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن، لعله مزمع أن يذهب إلىشتات اليونانيين ويعلم اليونايين. [ إنجيل يوحنا ، إصحاح، 7(35-36)] فما معنى هذا القول الذي قال المسيح:" ستطلبونني ولا تجدوني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟!! ألا يعني هذا أن ملائكة الرب حملته بعيدا إلى السماء في يوم الضيق، ولم يتمكن منه الكهنة والفريسيون بل إن الكهنة والفريسيين لم يروه أبدا - ولم يروه - بعد أن تركهم في الهيكل،كما قال لهم في آخر لقاء عاصف معهم:" إنني أقول لكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل." [ إنجيل متى، إصحاح، 23(29)] 14- والمسيح نفسه ينفي عن نفسه فكرة القتل والصلب ينفيها بكل قوة في مواضع كثيرة، ويتوعد بالقتل والصلب بدلا منه "يهوذا الخائن"بقوله: سقط في الهوة من صنع[ إنجيل يوحنا] وذلك لأن :"الرب قضاء أمضى: الشرير يعلق بعمل يديه، المعلق على الخشبة ملعون من الله"[ إنجيل يوحنا]بأي جنون وبأي حماقة لعنوا الناموس والمسيح"المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة" نقول لهم: ألم تهتز عقولكم وقلوبكم ولو مرة واحدة، فتكف عن لعنة الناموس والمسيح؟ ألم تسمعوا يسوع يقول لكم :" تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني، أليس موسى قد أعطاكم الناموس وليس أحد منكم يعمل بالناموس لماذا تطلبون أن تقتلوني. [ إنجيل يوحنا، إصحاح، 7(19) فارجعوا إلى الحق الذي جاء به المسيح ،فهو طريق الخلاص الحقيقي، لا ما أنتم عليه،وتذكروا قوله: "اذهبوا وتعلموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة"[ إنجيل متى، إصحاح ، 9(13)] ومن هنا نعلم أن هذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه، بل فيها اختلافات وشكوك كثيرة -كما قدمت لك- وصدق الله - شيء عجيب أن يرتبط موضوع الصلب بتحقيق صفتي العدل والرحمة لله عز وجل، فبمقتضى صفة العدل، كان على الله أن يعاقب ذرية آدم بسبب الخطيئة التي ارتكبها أبوهم وطرد بها من الجنة واستحق هو وذريته البعد عن الله، وبمقتضى صفة الرحمة كان على الله أن يغفر سيئات البشر، ولم يكن هناك طريق للجمع بين العدل والرحمة إلا بتوسط ابن الله الوحيد الذي هو إله مثله وقبوله أن يظهر في شكل إنسان وأن يعيش كما يعيش الإنسان ثم يصلب ظلما ليكفر عن خطيئة البشر!! ومن أين وجبت المثلية لعيسى أو كيف كانت بنوته؟ - لست أدري ما الذي حدا بالمسيحيين أن يصوروا نبيهم أو إلههم هذا التصوير البشع، سيما والأناجيل قد ذكرت صورة مزرية لطريقة القبض على المسيح وصلبه - فأي عدل وأي رحمة في تعذيب غير مذنب وصلبه؟ قد يقولون إنه هو الذي قبل ذلك، ونقول لهم" إن من يقطع يده أو يعذب بدنه أو ينتحر ، مذنب ولو كان يريد ذلك. - إذا كان المسيح ابن الله فأين كانت عاطفة الأبوه، وأين كانت الرحمة حينما كان الابن الوحيد يلاقي دون ذنب ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في يديه؟ - ما هي صورة المسيحيين عن الله (جل في علاه) الذي لا يرضى إلا بأن ينـزل العذاب المهين بالأبرياء، والعهد في الله الذي يسمونه الأب ويطلقون عليه "الله رحمة" أو "الله محبة" أن يكون واسع المغفرة كثير الرحمات؟ - من هذا الذي قيّد الله "جل جلاله" وجعل عليه أن يلزم العدل، وأن يلزم الرحمة، وأن يبحث عن طريق للتوفيق بينهما؟ - ويدعي المسيحيون أن ذرية آدم لزمهم العقاب بسبب خطيئة أبيهم، ففى أي شرع يلزم الأحفاد بأخطاء الأجداد، وبخاصة أن الكتاب المقدس ينص على أنه لايقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل." [ سفر التثنية، 24:16] - وإذا كان صلب المسيح عملا تمثيليا على هذا الوضع فلماذا يكره المسيحيون اليهود ويرونهم آثمين معتدين على السيد المسيح؟وهم الذين حققوا مراد الله لتحقيق عدله ورحمته!! - وهل كان نزول ابن الله وصلبه للتكفير عن خطيئة البشر ضروريا أو كانت هناك وسائل أخرى من الممكن أن يغفر الله بها خطيئة البشر؟ - وما العمل في خطايا المستقبل؟ - وأين قرار الله من عهد آدم إلى عهد عيسى؟ - وما التناسب بين خطيئة آدم وصلب المسيح، إذا كانت العقوبة لا بد وأن تناسب الذنب؟ - وماذا عن الطوفان الذي ابتلع العصاة أيام نوح - عليه السلام - ألا يكفي ذلك؟ - وإذا كان ذلك كذلك فما الذي صلب في المسيح، آلناسوت أم اللاهوت؟ ! أم أنه في الأخير انتقم من إنسان؟ أي من الجزء الناسوتي في عيسى، وليس اللاهوتي، فلماذا لم يكن آدم إذًا؟!! وإذا كان عيسى ولد بدون أب ليكون مطهراً من خطيئة أبيه "آدم" فهل لم يأخذ نصيبا من الخطيئة عن طريق أمه مريم؟ - ولماذا لم ينـزل ابن الله مباشرة في مظهر إنسان دون أن يمر بدخول الرحم والولادة؟ - وهل كان الأنبياء جميعا قبل عيسى مدنسين خطاة بسبب خطيئة أبيهم آدم؟ - وهل كان الله غاضبا أيضا؟ وكيف اختارهم مع ذلك لهداية البشر؟[ المسيحية ، د/ أحمد شلبي، صـ 139-143، بتصرف.] - ولما كان الله على خشبة الصليب، فمن الذي أمسك بالسموات والأرض؟ - وكيف أوجب اللعنة لنفسه، وفي التوراة "ملعون ملعون من تعلق بالصليب"؟ - لماذا قتل الإله الأب الإله الابن؟ عجبا له : إنه المنتقم والمنتقم منه، والمحقود والمحقود عليه، وإنه الظالم وهو المظلوم!! - من القاتل ومن القتيل؟ أم أن الأمر كما قال أحد المفكرين الفرنجة: خلاصــة المسيحيـة "أن الـلـه قـتـل الـلـه لإرضـاء الـلـه!! [ قذائف الحق للشيخ الغزالي، صـ 39-45، بتصرف، وبين الإسلام والمسيحية، صـ 210-216، بتصرف.والتعصب الصليبي، د/ عمر عبد العزيز، صـ 91-97، بتصرف.] وصدق من قال: عجبا للمسيح بيـن النصارى ** وإلـى أي والد نسبـوه أسلموه إلى اليهود وقــالوا**إنهم بعد قتلـه صـلبوه وإذا كان ما يقولون حقــا**وصحيحا فأين كان أبوه حين خلى ابنه رهين الأعادي** أتراهم أرضوه أم أغضبوه فلئن كـان راضيا بأذاهـم ** فاحمدوهم لأنهم عذبـوه ولئن كان ساخطا فاتركـوه ** واعبدوهم لأنهم غلـبوه [بين الإسلام والمسيحية، كتاب أبي عبيدة الخزرجي ، تحقيق وتعليق، د/ شامة، صـ146.] ومن قال أيضا: جاء المسيح من الإله رسـولا ** فأبى أقـل العـالمين عقـولا قوم رأوا بشرا كريما فادعـوا ** - من جهلهم بالله- فيه حلولا وعصابة ما صدقته وأكثـرت **بالإفـك والبهتـان فيه القيلا لم يأت فيه مُفـرط ومفـرِّط** بالحق، تجريحـا ولا تعديـلا فكأنما جاء المسـيح إليهـم ** ليـكذبوا التوراة والإنـجيلا فاعجب لأمته التي قد صيرت ** تنـزيهـها لإلههـا التنكيلا وإذا أراد الله فتنـة معشــر** وأضلهم رأوا القبيـح جميـلا هـم بجلوه بباطـل فـابتزه ** أعـداؤه بالبـاطل التبجيـلا وتقطعوا أمر العقـائد بينهم ** زمرا، ألم تـرعقدها محـلولا؟ هو آدم في الفضل ، إلا أنـه **لم يعط حال النفخة التكميـلا [منظومة الإمام الأبوصيري في الرد على النصارى واليهود، تأليف وشرح الشيخ محمد بن سعيد بن حماد الأبوصيري، تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا، صـ 7 ، دار البيان، ط/ الأولى، 1399هـ/1979م.] وصدق من قال كذلك: أعباد المسيح لنـا سـؤال** نريد جـوابه ممن وعـاه! إذا مات الإله بصنـع قوم ** أماتوه، فمـا هذا الإلـه؟ وهل أرضاه ما نالـوه منه؟** فبشراهم إذا نالوا رضـاه! وإن سخط الذي فعلوه فيه** فقوتهـم إذًا أوهت قـواه! وهل يبقي الوجود بلا إلـه ** سميع يستجيب لمن دعـاه؟ وهل خلت الطباق السبع لما** ثوى تحت التراب،وقد علاه؟ وهل خلت العوالم من إلـه** يدبرها وقد سـمرت يداه؟ وكيف تخلت الأمـلاك عنه ** بنصرهم ، وقد سمعوا بكاه ؟ وكيف أطاقت الخشبات حمل **الإلـه الحق شد على قفاه ؟ وكيف دنا الحديد إليه حـتى ** يخـالـطه، ويلحـقه أذاه ؟ وكيف تمكنت أيـدي عداه ** وطالت حيث قد صفعوا قفاه وهـل عاد المسيح إلـى حياة **أم المحـيي لـه رب سواه ؟ ويـا عجبا لـقبر ضـم ربا** وأعجب منه بطن قد حـواه! أقام هناك تسعا مـن شهور** لدي الظلمات من حيض غداه! وشق الفرج مولودا صـغيرا** ضعيفـا فاتـحا للثدى فاه ! ويأكـل ثم يشرب ثم يـأتي** بلازم ذلك ، هـل هذا إله ؟ تعالى الله عن إفك النصـارى** سيسـأل كلهم عـما افتراه! أعبـاد الصليب لأي معـنى** يعظم أو يقبح مـن رمـاه؟ وهل تقضى العقول بغير كسر** وإحـراق له ، ولمـن بغاه ؟ إذا ركب الإلـه عليه كـرها** وقـد شـدت لتسمير يداه! فذاك المـركب الملعون حقـا** فدسـه، لا تبسـه إذ تـراه يهـان عليه رب الخلق طـرا** وتعبده!! فإنـك مـن عداه فإن عظمته مـن أجل أن قد** حوى رب العباد، وقد علاه ! وقد فقد الصـليب فإن رأينا** له شكـلا تذكرنـا سناه ! فهـلا للقبور سجدت طـرا** لضم القبر ربك في حشـاه؟ فيا عبـد المسيح أفق فهـذا** بدايته ، وهـذا منتهـاه!! [ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم الجوزية، ج2، صـ 290-292.]
|